وصف سهرة عائليّة في فصل الشّتاء
ها قد أقبل فصل الشّتاء فصل الخير و العطاء ، فالأمطار الغزيرة تهطل منذ أيّام و سطوح المنازل تزهو بحلّتها البيضاء ، و صرير الرياح يُسمع في جوف الأسرّة المكسوّة بالصّوف في محاولات لاهثة يائسة لنيل الدفء ، و حين تثور بشدّة تثور معها الطبيعة بأسرها و تُصكُّ منها الأسنان ، و لم يكن أمامنا خيار ... فالوسيلة الوحيدة لنسيان البرد و اكتساب الدفء هو ترك عواطفنا تنمو و تسمو للتجاوز مخاوفنا و تسود أجواء الغموض و الظلمة و تقهرها ليعمّ الحبّ و الدفء على الجميع ، و ما هي لحظات حتى انقطع التيّار الكهربائيّ .... كأنّ تلك الظروف المأساويّة التي تفتقر للعواطف و الحنان كان ينقصها عامل اليأس ليسيطر على الأجواء ، فلم تعد أمّي قادرة ً على إكمال طهوها فالفرن توقّف عن العمل ، و لم يعد أبيّ يجد متعة القراءة في ظلّ السّراج الخافت الذي لا يكاد يضيء ، و توقّفت جدّتي عن تطريزها و لم تعد لديّ همّة الدراسة ...... و في هذه الأجواء الميتة التي تفتقر للحياة و النّور ، قامت أمّي فأشعلت بضع شمعات ملأت بها أركان غرفة المعيشة ، و ُضِعت الكستناء على المدفأة و تحلّق حولها أفراد أسرتي ، و بدأت جدتي السّهرة في هذه الليلة الماطرة بالحديث عن ذكرياتها القديمة و سهرات عائلتها التي لم تنقطع ليلةً حين لم يكن ثمّة تلفاز أو أجهزة متطوّرة ، كان أفراد أسرتها و أقاربها يشعرون بمتعة الجلوس معاً و التّسلية دون أن تسيطر الشّاشة على عقولهم أو تجذب القنوات انتباههم و تشتت جمع الأسرة الواحدة ، ردّت أمّي على هذا الكلام بتحفّظ بأنّ للأجهزة الحديثة الكثير من الإيجابيّات و الفوائد ، و أنّ سلبيّاتها ناجمة عن سوء استخدامها لا عن الأجهزة بحدّ ذاتها ... و كان لأبي رأيه الخاصّ أيضاً في هذا الموضوع ، و هكذا بدأ الجميع يتجاذبون أطراف الحديث الودّي الذي طرح معه مسائل أخرى ، لقد كان نقاشاً حاراً حرارة الدفء المخيّم على الغرفة المملوءة بالعواطف الجيّاشة ، و ما هي لحظات حتى انتشر عبق الكستناء المشويّة في الأثير عندئذٍ سارعت أمّي لجلبها و حضّرت معها الشّاي ، و جلسنا كما لم نفعل من قبل نتلذذ بأطايب الأطعمة و الأشربة السّاخنة ، و كنت أفكّر في الحديث الي دار منذ قليل و كانت وجهة نظري الشّخصيّة بأنّ التّلفاز أمرٌ مهمّ و ضروريّ للعائلة و لكن سيكون من الرائع أن تجتمع العائلة من حين لآخر ، و أن يتحدّثوا عن مشاكلهم و يبادلوا الآراء بينهم بجوٍّ مليء بالحبّ و الحرّية و الرأي الشّخصيّ ..... و ما هي لحظات حتى عاد التيّار الكهربائيّ إلى العمل ، و عاد أفراد الأسرة إلى أعمالهم المختلفة بعد أن عاشوا أجمل اللحظات معاً ، تركت في عواطفهم و ذكرياتهم بصمةً لا تُنسى.......
ها قد أقبل فصل الشّتاء فصل الخير و العطاء ، فالأمطار الغزيرة تهطل منذ أيّام و سطوح المنازل تزهو بحلّتها البيضاء ، و صرير الرياح يُسمع في جوف الأسرّة المكسوّة بالصّوف في محاولات لاهثة يائسة لنيل الدفء ، و حين تثور بشدّة تثور معها الطبيعة بأسرها و تُصكُّ منها الأسنان ، و لم يكن أمامنا خيار ... فالوسيلة الوحيدة لنسيان البرد و اكتساب الدفء هو ترك عواطفنا تنمو و تسمو للتجاوز مخاوفنا و تسود أجواء الغموض و الظلمة و تقهرها ليعمّ الحبّ و الدفء على الجميع ، و ما هي لحظات حتى انقطع التيّار الكهربائيّ .... كأنّ تلك الظروف المأساويّة التي تفتقر للعواطف و الحنان كان ينقصها عامل اليأس ليسيطر على الأجواء ، فلم تعد أمّي قادرة ً على إكمال طهوها فالفرن توقّف عن العمل ، و لم يعد أبيّ يجد متعة القراءة في ظلّ السّراج الخافت الذي لا يكاد يضيء ، و توقّفت جدّتي عن تطريزها و لم تعد لديّ همّة الدراسة ...... و في هذه الأجواء الميتة التي تفتقر للحياة و النّور ، قامت أمّي فأشعلت بضع شمعات ملأت بها أركان غرفة المعيشة ، و ُضِعت الكستناء على المدفأة و تحلّق حولها أفراد أسرتي ، و بدأت جدتي السّهرة في هذه الليلة الماطرة بالحديث عن ذكرياتها القديمة و سهرات عائلتها التي لم تنقطع ليلةً حين لم يكن ثمّة تلفاز أو أجهزة متطوّرة ، كان أفراد أسرتها و أقاربها يشعرون بمتعة الجلوس معاً و التّسلية دون أن تسيطر الشّاشة على عقولهم أو تجذب القنوات انتباههم و تشتت جمع الأسرة الواحدة ، ردّت أمّي على هذا الكلام بتحفّظ بأنّ للأجهزة الحديثة الكثير من الإيجابيّات و الفوائد ، و أنّ سلبيّاتها ناجمة عن سوء استخدامها لا عن الأجهزة بحدّ ذاتها ... و كان لأبي رأيه الخاصّ أيضاً في هذا الموضوع ، و هكذا بدأ الجميع يتجاذبون أطراف الحديث الودّي الذي طرح معه مسائل أخرى ، لقد كان نقاشاً حاراً حرارة الدفء المخيّم على الغرفة المملوءة بالعواطف الجيّاشة ، و ما هي لحظات حتى انتشر عبق الكستناء المشويّة في الأثير عندئذٍ سارعت أمّي لجلبها و حضّرت معها الشّاي ، و جلسنا كما لم نفعل من قبل نتلذذ بأطايب الأطعمة و الأشربة السّاخنة ، و كنت أفكّر في الحديث الي دار منذ قليل و كانت وجهة نظري الشّخصيّة بأنّ التّلفاز أمرٌ مهمّ و ضروريّ للعائلة و لكن سيكون من الرائع أن تجتمع العائلة من حين لآخر ، و أن يتحدّثوا عن مشاكلهم و يبادلوا الآراء بينهم بجوٍّ مليء بالحبّ و الحرّية و الرأي الشّخصيّ ..... و ما هي لحظات حتى عاد التيّار الكهربائيّ إلى العمل ، و عاد أفراد الأسرة إلى أعمالهم المختلفة بعد أن عاشوا أجمل اللحظات معاً ، تركت في عواطفهم و ذكرياتهم بصمةً لا تُنسى.......